الرسالة السنوية لمؤسس شركة أمازون، جيف بيزوس
اعتاد مؤسس امازون على مشاركة رؤيته وخبرته للعالم كل سنة. تحوي هذه الرسائل عادة نتائج الخبرات والتجارب الطويلة التي ساهمت بإيصال أمازون لهذا المستوى من الجودة والكفاءة والقدرة.
جيف، كيف يبدو (اليوم الثاني)؟
سؤلت هذا السؤال في إجتماع قريب شمل جميع الموظفين. لي بضعة عقود أذكّر الناس دائما أننا في (اليوم الأول). أعمل في مبنى في أمازون إسمه اليوم الأول، وعندما انتقلت لمبنى آخر، أخذت الاسم معي. أقضي الكثير من الوقت في التفكير في هذا الموضوع.
اليوم الثاني هو الركود. يتبعه فقدانك الصلة مع ما يحدث حولك. يتبعه إنحدار قاسي و مؤلم. يتبعه الموت.
ولهذا السبب يجب أن نكون دائما في اليوم الأول.
ومن المؤكد أن هذا النوع من الإنحدار يحدث بشكل بطيء و تدريجي جدا. المؤسسة قد تعيش و تحصد في اليوم الثاني لعقود، ولكن النتيجة النهائية ستأتي لا محالة.
أنا مهتم جدا في السؤال، كيف يمكنك درء و إبعاد اليوم الثاني؟ ما هي الأدوات والتكتيكات؟ كيف يمكنك الحفاظ على حيوية اليوم الأول حتى داخل منظمة كبيرة؟
هذا السؤال لا يمكن أن يكون له إجابة بسيطة. سيكون هناك العديد من العناصر، المسارات المختلفة، والعديد من الفخوخ التي يجب تجنبها. لا أعرف كل الاجابة، ولكن قد أعرف بعض منه. هذه حزمة الضروريات اللازمة للدفاع و الحفاظ على اليوم الأول:
- الهوس بالعملاء
- النظر للوكلاء بوجهة نظر حذرة
- إعتماد و إحتضان التغيرات الخارجية
- صنع القرار بسرعة عالية
الهوس بالعملاء بحق
هناك العديد من الطرق لتصميم و تركيز مؤسستك. يمكنك صنع مؤسسة ترتكز على منافسة العدو، أو مؤسسة ترتكز على المنتج، أو على التقنية، أو على نموذج عمل مبتكر.. هنالك الكثير الكثير من الطرق. ولكن برأيي، هوس التركيز على العملاء هو إلى حد بعيد أكثر أداة فاعلة للحفاظ على حيوية اليوم الأول.
لماذا ا؟ هناك العديد من المزايا للمناهج المرتكزة على العملاء. ولكن هذه أكبرهم: العملاء دائما، بشكل جميل و يدعو للتأمل، غير راضين. حتى إن إدعو بأنفسهم أنهم سعداء و نجاح أعمالك يشير لذلك. العملاء يريدون شيئا أفضل، دائما، حتى عندما لا يعون ذلك.
رغبتك في إسعاد العملاء سوف يدفعك للتفكير و الإبتكار نيابة عنهم. لم يطلب في أي وقت مضى أي أحد من عملاء أمازون أن نصنع خدمة أمازون پرايم، ولكن الواضح الآن بعد ما أطلقناها أنهم كانوا يريدونها.. لدي العديد من الأمثلة المماثلة.
البقاء في اليوم الأول يتطلب منك التجربة بصبر، قبول الفشل، وضع البذور، وحماية الشتلات، ومضاعفة المراهنة عندما ترى فرحة العملاء. بيئة العمل المبنية على هاجس الهوس بالعملاء هي الأفضل في خلق الظروف الممكنة لكل هذا أن يحدث و يستمر.
مقاومة الوكلاء
كلما كبرت و تعقدت المؤسسات، كلما زاد التوجه للإدارة عن طريق الوكلاء، بكافة أشكال و مفاهيم الوكالة أو الإدارة غير المباشرة، وهي خطرة وخفية. كل هذا يحوم حول اليوم الثاني.
المثال الشائع هو عندما يصبح (النظام) وكيل. غرض النظام هو خدمة العملاء. ولكن إن لم تكن حذرا، سيصبح النظام هو الهدف و ليس العميل أو النتيجة التي تريدها. ويمكن أن يحدث ذلك بسهولة كبيرة في المنظمات الكبيرة. ستتوقف عن النظر في النتائج و ستختزل الإدارة في التأكد من أن النظام يعمل و يُطبق. شيء مخيف!
ليس نادرا لي أن أسمع قائد مبتدئ يدافع عن نتيجة سيئة بالقول "لكننا تتبعنا و طبقنا النظام". القائد الخبير سيستخدم الحادثة كفرصة للتحقق من مثالية النظام و مراجعته و تحسينه.
النظام ليس الأساس. يجب دائما أن نسأل، هل نحن من نملك النظام أم النظام يملكنا. في مؤسسات اليوم الثاني، الجواب واضح.
مثال آخر: أبحاث السوق واستطلاعات الرأي يمكن أن تصبح وكلاء للعملاء - هذا الشيء خطير خصوصا عند ابتكار شيء جديد. "إستطلاعنا يدل أن ٥٥٪ من من العملاء المجربين للخدمة راضين. و هذا نمو بمقدار ٤٧٪ عن المسح الأول" هذه الأمور من الصعب تفسيرها ويمكن بغير قصد أن تصبح مضللة للمؤسسة.
المنتجين والمصممين يفهمون عملائهم بعمق كبير. يقضون طاقة هائلة لتعزيز حسهم و حدسهم. يدرسون عملائهم عن قرب عن طريق تحليل العديد من الحكايات و المواقف التي تمر بهم وليس فقط بالنظر في "المعدلات" أو "الإحصاءات" التي تأتي عن طريق الدراسات و البحوث الإستقصائية. يعيشون مع العملاء و المنتجات، لا يعتمدون على الوساطات أو الوكلاء. لست ضد التجارب أو الدراسات الاستقصائية، ولكنك كمسؤول، يجب أن تفهم عملاءك، و أن يكون لديك رؤية تؤمن بها و شغف بمنتجك. ثم بعد ذلك، تستخدم البحوث و الدراسات لتساعدك على العثور على النقاط العمياء، و ليس العكس. أي تجربة ثرية للعملاء تبدأ من القلب، الحدس، الفضول، التجربة، الشجاعة، الذوق. لن تجد أي منها في دراسات أو إستطلاعات رأي.
إحتضان الاتجاهات الجديدة و التغيرات الخارجية
سيتم دفعك لليوم الثاني بكل الأحوال إذا لم، أو لم تتمكن من، التأقلم و إحتضان المتغيرات القوية من حولك بسرعة. إذا حاريتهم، فأغلب الظن أنك تحارب المستقبل. إذا أحتضنتهم، فستكسب رياح خلفية تدعمك للأمام.
هذه المتغيرات و التوجهات الجديدة ليس من الصعب تحديدها (سيتكلم و يكتب عنها الكثير)، ولكن غالبا من الصعب على المؤسسات الكبيرة إحتضانها. نحن في منتصف توجه جديد واضح في الوقت الحالي: تعلم الآية و الذكاء الاصطناعي.
[...] نعمل بجهد كبير على إبتكار العديد من المنتجات التي تستغل هذه المتغيرات كما أعدنا بناء عدد من منتجاتنا آخذين بالحسبان تلك التوجهات الجديدة. الكثير من ثمار هذا العمل أيضا ستطور عمل أجهزتنا و أعمالنا المركزية القائمة.
صنع القرار بسرعة عالية
مؤسسات اليوم الثاني تصنع قرارات عالية الجودة، لكنها تصنعها ببطء. للحفاظ على طاقة و ديناميكية اليوم الأول، عليك بطريقة ما إتخاذ قرارات تكون عالية الجودة و عالية السرعة. هذا سهل على المؤسسات الصغيرة و صعب للغاية على المؤسسات الكبيرة. لدينا إصرار قوي كفريق تنفيذي في أمازون أن نحافظ على سرعة عالية في عملية إتخاذ القرار. السرعة مهمة في مجالنا - عدا كون البيئة ذات القرارات السريعة بيئة مشوقة للعمل. لا نعرف كل الإجابات، ولكن هنا بعض الأفكار:
أولا، لا تستخدم مبدأ 'مقياس واحد يناسب الجميع' على عملية صنع القرار. العديد من القرارات يمكن أن تتراجع عنها، كأنها باب يمكن الدخول و الخروج منه. تلك القرارات يمكن استخدام آليات رشيقة لإتخاذها. لتلك القرارت، ماذا سيحدث لو كنت مخطئا؟ ليس الكثير على أغلب الظن. كتبت عن هذا بتفصيل أكبر في رسالة العام الماضي.
ثانيا، يجب اتخاذ معظم القرارات مع ما يقرب من ٧٠٪ من المعلومات التي تتمنى أن تملكها لصنع القرار. إذا كنت تنتظر ال٩٠٪، في معظم الحالات، أنت بطيء. بالإضافة إلى ذلك، في كل الحالات، تحتاج إلى أن تكون جيدا في التعرف على القرارات السيئة و تصحيحها بسرعة. إذا كنت جيدا في عملية تصحيح المسار، الخطأ قد يكون أقل تكلفة مما تعتقد، في حين البطء سيكون مكلف دائما بالتأكيد.
ثالثا، إستخدم عبارة "نختلف لكن نلتزم". هذه العبارة ستوفر الكثير من الوقت. إذا كان لديك قناعة باتجاه معين على الرغم من عدم وجود توافق في الآراء، فمن المفيد أن تقول، "انظر، أعلم أننا نختلف على هذا ولكن هل بالإمكان أن تغامر معي على ذلك؟ إختلف معي لكن إلتزم". إذا وصل النقاش هذه المرحلة، غالبا لا أحد يعرف الإجابة على وجه اليقين، و ربما ستحصل على نعم تحرك النقاش للأمام.
هذا الأسلوب ليس طريقا باتجاه واحد. إذا كنت قائدا، يجب عليك تقبل ذلك أيضا. أنا أختلف مع الالتزام كل الوقت. لقد قمنا مؤخرا بإعطاء الضوء الأخضر لانتاج محتوى أصلي في استوديوهات أمازون. قلت للفريق وجهة نظري: "لست مقتنعا بأن المنتج مثير للاهتمام بما فيه الكفاية، الإنتاج معقد، شروط العقد ليست جيدة، ولدينا الكثير من الفرص الأخرى". كان لديهم رأي مختلف تماما وأرادوا المضي قدما. كتبت مرة أخرى على الفور "أنا أختلف معكم لكن ألتزم، و أتمنى أن يصبح المنتج الأكثر مشاهدة". فكر في مدى تباطؤ دورة القرار هذه لو كان الفريق مرغما أن يقنعني فعلا بدلا من مجرد الحصول على التزامي.
لاحظ ما لم أفعله في المثال: لم أفكر بداخلي "حسنا، هؤلاء خاطئين ولا يعون ذلك، و هذا أمر لا يستحق أن أضيع وقتي فيه". إنه خلاف حقيقي على الرأي، تعبير صريح عن وجهة نظري، فرصة للفريق لكي يوازن رأيي، والتزام مخلص مني أن يتحركوا بطريقهم حتى مع اختلافي.
هذا الفريق جلب للمؤسسة ١١ جائزة إيمي، ٢ غولدن غلوب، و ٣ جوائز الأوسكار.. أنا سعيد أنهم يسمحون لي أن أكون معهم في نفس الغرفة على الإطلاق!
رابعا، إكتشف عدم التوافق على القضايا مبكرا و قم بتصعيدها على الفور
في بعض الأحيان يكون للفرق أهداف مختلفة وجهات نظر مختلفة جوهريا. من المستحيل محاذاتها و التوفيق بينها. لا يوجد أي قدر من النقاش أو الاجتماعات يحل هذا الاختلاف العميق. بدون التصعيد، فإن الآلية الافضل لتسوية المنازعات هي استنفاد الطاقة. الفريق الذي لديه القدرة الأكبر على التحمل و استنفاد طاقة الاخر سيأخذ القرار.
لقد رأيت العديد من الأمثلة على عدم التوافق النابع من حسن نية في أمازون على مر السنين. عندما قررنا دعوة بائعي الطرف الثالث للتنافس مباشرة ضدنا على صفحات تفاصيل المنتج الخاصة بنا - كان ذلك قرارا كبيرا. كان العديد من الأمازونيين الاذكياء، بنية حسنة، لم يتفقوا تماما مع التوجه. وقد أسفر هذا القرار الكبير عن مئات القرارات الأصغر، التي كان من الضروري تصعيد العديد منها إلى الفريق التنفيذي.
إتخاذ القرار بالانهاك عملية سيئة لصنع القرار. عملية بطيئة و مثبطة. لابد من التصعيد السريع بدلا من ذلك.
إذا، هل تركز مؤسستك على نوعية القرار فقط، أم أنك تدرك أهمية سرعة إتخاذ القرار أيضا؟ هل التوجهات العالمية الجديدة رياح داعمة أم عكسية لك؟ هل سقطت مؤسستك و فريقك كفريسة للوكالات المختلفة من حولك، أم الوكالات تخدمكم و أهدافكم؟ والأهم من ذلك كله، هل أنت مهووس بعملائك؟
يمكننا أن نمتلك نطاق و قدرات شركة كبيرة لكن روح وقلب واحدة صغيرة. علينا أن نختار ذلك.
شكرا جزيلا لكل عميل أن سمحت لنا بخدمتك، إلى مساهمينا لدعمكم، وإلى الأمازونيين في كل مكان لعملكم الشاق، براعتكم وشغفكم.
وكما هو الحال دائما، أرفق طيه نسخة من أول رسالة أصلية من عام ١٩٩٧. لأننا لا نزال في اليوم الأول.
بإخلاص،
جيف